www.fgks.org   »   [go: up one dir, main page]

  • رئيس مجلس الإدارة : أحمد السيد النجار
  • رئيس التحرير التنفيذي : هشام يونس

من "أوكا وأورتيجا" لـ"سيد درويش".. "ربك خالقهم للهدم.. وأنت خالقك للبنا"

سارة نعمة الله
17-3-2016 | 23:29650
 طباعة

سيد درويش

يبدو أن الراحل بيرم التونسي كان يتنبأ بمستقبل البناء الموسيقي للأغنية المصرية وما سيحدث به من خلل، وظهر ذلك بوضوح في رثائه لفنان الشعب سيد درويش: "ربك خالقهم للهدم..وأنت خالقك للبنا" في ١٠سبتمبر ١٩٦٤.

ولأن المواجهة بين الماضي والحاضر هي المساحة الوحيدة للوقوف نحو ما وصلنا إليه من تراجع في شكل وهوية الأغنية المصرية، لم يكن لدينا ماهو أكثر منه مناسبة من ذلك للحديث عن الراحل سيد درويش في ذكرى ميلاده الذي يوافق اليوم.

وفي لقاء بين الماضي والحاضر لنكتشف مدى التطور الزمني والفكري الذي صاحب أعماله بمشاركة الشاعر بديع خيري، تطرقنا مع ابن الإسكندرية، نحو عدد من القضايا والأحداث الفنية المعاصرة،، والتي كشفت مدي الاختلاف في التناول بين "درويش" وغيره من ملحني اليوم.

الأنثى لدى سيد درويش هي نبض الحياة، التي غنى عن عشقه لها، وعن حريتها، ووطنيتها، ويقول في أغنيته "بنت مصر" التي لحنها وغناها مع الفنانة حياة صبري: "ده بأف مين اللى يألس..على بنت مصر بأنهي وش..النبي يجري يتليس..ماطلع كلامه طظ! فش!..دي المصرية كتّر خيرها..فى التربية سبقت غيرها..يا سيدي إنت..البنت تفضل محبوسة.. قال جوه بيتها يكون أظبط..لحد ما تبقى عروسة.. بدال ما تفضل تتنطط".

لكن ربما كان لفريق "أوكا وأورتيجا" رأياً خاصاً في المرأة كما يغنون لها في أغنيتهم الشهيرة "دلع بنات" التي تقول كلماتها : راكبالي عربية..ماشية فى الأميرية..عملالي أجنبية دلع بنات. ياشاويش امسكها يا بوليس احبسها.. بنات وشها أزرق ف أخضر..لابسالي فستان أقصر من فستان بيبيهات".

والمفارقة هنا بين إيمان "درويش" بحقوق المرأة في الحرية التي لا تزال تنتقص منها الكثير قبل ظهور التيار النسوي الذي نشب في منتصف القرن المنصرم، في الوقت الذي احتسبنا فيه أن أغاني المهرجانات هي ثقافة شعبية مترجمة للواقع، فربما كان الأجدر بنجوم هذا الفن الحديث عن صورة المرأة الشعبية تحديداً في هذا الزمن، فدرويش لم يكن صاحب صوت ذهبي كما أنه عاش واقعاً يقترب من البيئة الاقتصادية الكادحة التي خرج منها أيضاً مطربو المهرجانات حيث اضطر للعمل في حرف مختلفة منذ صغر سنه إلا أن حالته الغنائية مع إبداعه في الألحان على صدى الكلمات التي كان يكتبها له بديع خيري، وجعلت من فنه مذاقا خاصاً ينم عن الوعي والذكاء في قراءة المُستقبل.

وفي الوقت الذي يتباهى فيه بعض ملحني اليوم بإنتاجهم الفني وتصدير صورة غير حقيقة عن قدراتهم الخارقة في التلحين والقدرة علي تحويل المقطوعات الأدبية إلى نمط فني يمكن أن يتذوقه الجمهور، نجد أن الراحل "سيد درويش" استطاع منذ سنوات طويلة أن يصنع اتجاها منفردا في هذا المجال بترجمة المقطوعات الصحفية إلى مؤلف موسيقي يتفاعل معه الجمهور تستمع به الأجيال، فعلى سبيل المثال استطاع "درويش" تحويل مقطوعة صحفية عن مصر والسودان إلى مؤلف موسيقي يحمل نفس العنوان-حسب أحد المراجع-.

ليس بجديد التذكير بدور الراحل في تلحين النشيد الوطني، والحديث عن حبه الكبير للوطن لكن الأهم هو معرفة تأثير ذلك إضافة إلى ثورة ١٩١٩ في نتاج الأعمال الفنية التي قدمها، حيث أبدى فيها الراحل مدى التحامه مع البسطاء بأعماله التي وجهها إلى السقايين، والجرسونات، والموظفين، المراكبية بجانب العديد من الأعمال الحماسية التي تركها ومازالت تلقى صداها مثل قوم يامصري، وأهو دا اللي صار، أما الغناء للوطن اليوم فقد اتخذ مساراً آخر "ركوب الموجة من أجل التواجد" ويكفي أن الثورة التي جاءت بعد ٣٠ عاماً من الجمود والعزلة من التفاعل السياسي لم تفجر الشحنة لدى الموسيقيين الذين نسمع عن جوائزهم في الخارج أو كثرة نشاطاتهم الفنية في خروج عمل يؤرخ أو يتحدث عن هذا الحدث الجلل، بل ذهبنا لاستعارة أغاني درويش، وشادية، وَعَبَد الحليم حافظ وحتى من حاولوا التفاعل مع الحدث صارت الانتقادات ضدهم، ولنتذكر الأغنية الشهيرة "شهداء خمسة وعشرين يناير، ماتوا في أحداث يناير، ماتوا وفارقوا الحياة".

وربما نعيش اليوم مثل البارحة حيث انعدام وجود مؤلف موسيقي مسرحي، وباعتبار أننا نعيش عصر أغاني "المهرجانات" و"التك تك بوم" فإن العدوى لم تصب الحقل الغنائي فقط بل ضربت المسرح الذي تستعين فيه كثير من الأعمال بهذه النماذج.

وبالعودة لمبدعنا سيد درويش فنلقي الضوء على تجاربه من العظماء المسرحيين والذين وجدوا فيه خير مترجم لأعمالهم، بدأ فيها بمسرحية "فيروز شاه" التي جمعت بينه وبين جورج أبيض، وتوالى ذلك كثير من الأعمال التي قدمها مع فرقة الريحاني، وعلي الكسار، حتى أن وعيه بدور المسرح وسرعة تأثيره على المشاهد جعلته يكون فرقة تحمل اسمهم لكنها لم تستمر طويلاً.

المواجهة بين ماضي سيد درويش وحاضرنا اليوم، ربما لا ينتهي الحديث عنه في السطور القليلة الماضية، لكننا رصدنا أهم النقاط التي ربما تكون صاحبة النصيب الأعظم في الاهتمام، لكن ذكرى ميلاد سيد درويش التي توافق اليوم، وتمر كالعادة في صمت تام ربما نطرح تساؤلات تختلف عن كل ما بحثنا فيه من أرشيف لموضوعات كتبت عن الراحل سواء عدم وجود متحف له أو الإهمال في حق إنتاجه الفني الذي لا نجد منه إلا القليل رغم تراثه الزاخر الذي يتعدى مئات الأعمال أو حتى عن سبب وفاته التي تشير أصابع الإتهام فيها لوجود شبهة جنائية.. والسؤال عن كيفية استفادة منتجي وفناني مصر من قيمة هذا الرجل الذي أبهر الغرب بموسيقاه، لماذا لا يتم تدريس التطور الذي أحدثه درويش في عالم الموسيقى في الأكاديميات والمعاهد المتخصصة؟، ولماذا لم تخصص الدولة تاريخ وفاته أو ميلاده عيداً خاصاً له باعتباره صاحب النشيد الوطني، لماذا يجهل الحديث عنه تلفزيونياً بالرغم أننا خلال شهر مارس نحتفي بالعندليب، والراحل أحمد زكي، وموسيقار الأجيال.

سيد درويش الذي نادى بالحرية، وحقوق الكادحين، ليس أقل رمزاً من الزعماء السياسيين، فهو جزء أصيل من تراث وثقافة الدولة التي اختزلت الحديث عن عظماء الفنانين الوطنيين في شخص عبد الحليم حافظ، فإذا كان العندليب غنى للعمال عقب مشروع السد العالي كنوع من الترويج لمشروع قومي والاحتفاء بزعيم الأمة جمال عبد الناصر، فإن الدور الوطني للفنان بدأ مع سيد درويش الذى تغلغل في قاعات المجتمع، ونجح في نقل علمه الذي لاقاه من الخارج والداخل مطوراً به حال الأغنية المصرية، ومانحاً لها تطورها وعصريتها.

وإذا كانت كثير من الفنون تحاول حالياً العودة للهوية الثقافية، سواء من خلال الاهتمام بحركة المسرح، أو تحويل النصوص الأدبية إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية، فلابد من العودة لسيد درويش وإعادة تجميع أعماله والاستفادة من منهجيته وحرفيته الموسيقية لأجيال لا تعرف عن الرجل سوى تلحينه للغناء الوطني.

كلمات بيوم التونسي في رثاء سيد درويش:

اتعد يومك واتحسب..من مهرجانات الأدب
فيه القصائد والخطب..ترتد لك مطنطنة
يومك مخلد للأبد.. والناس عيشتها بالمدد
ربك خالقهم للهدم..وأنت خالقك للبنا
والناس بتبنى مجدها..لكن لها ولنسلها
كنا همل بين الأمم.. لولا الهرم والكام صنم
خليتنا ننطق بالنغم..ونقول لهم مين زينا
ونقول لهم ببغدده..في الفن مصر السيدة
مايكونش أحسن من كده..أنغام وروح متلحنة
آهات كثيرة سمعتها..وأنت عشقت وقلتها

من "أوكا وأورتيجا" لـ"سيد درويش".. "ربك خالقهم للهدم.. وأنت خالقك للبنا"

أضف تعليق