www.fgks.org   »   [go: up one dir, main page]

الافتتاحية
للربيع وجهان!
2015/12/30
بقلم د. هناء عبيد
0
802
61
العدد :

تحل الذكرى الخامسة لثورات الربيع العربى وسط تجاذب غير مسبوق حول حصادها، ومآلاتها، والأهم من ذلك حول قيمتها وجدواها. فما بين هالات التقديس وما بين اللعنات، تهل علينا الذكرى الخامسة ليناير المصرية، وقبلها ثورة الياسمين فى تونس، والموجات الارتدادية عبر المنطقة ككل.

وتعبر دراسة العدد لفيليب شميتر ونادين سيكا، عن هذه الحالة الاستقطابية بدقة وتفتح المجال لنقاش جاد حول أسبابها، وتداعياتها، من خلال تسليط الضوء على الطبيعة المزدوجة للانتقال الديمقراطى بشكل عام وتجلياته فى صيغته “الربيعية” العربية. ووفقا للطرح، فإن الانتقال الديمقراطى يتسم بطبيعة ثنائية، فيؤثر عن طريق “طرفين”، أحدهما يتعلق بالنزوع العام للفكرة الديمقراطية من حيث المبادئ والحريات والأشكال الإجرائية المرتبطة بها، والآخر أكثر خصوصية، ويرتبط باللحظة الراهنة فى الدولة أو المنطقة محل التحول زمانا ومكانا وقوى فاعلة، وقد تلعب فيه المصادفة دورا من حيث تفاعلها مع تلك المبادئ الديمقراطية العامة وتأثيرها على مخرجات عملية الانتقال، بل وأحيانا تفريغها من مضمونها. فى ضوء هذا التحليل، فإن الحصاد “المختلط” -على أفضل تقدير- للربيع العربى، هو نتيجة متوقعة وطبيعية للحظة تحول غير مواتية دوليا، ونقاط بداية بالغة التعقيد و”التدنى” محليا، بكل ما حمله إرث المرحلة السابقة على انطلاق الثورات من صعوبات.

فى ذات السياق، يتناول قسم “مقالات” الذكرى الخامسة لثورة يناير من خلال عدة تحليلات يغلب عليها الشجون لما آلت إليه، وهو ما يبرز فى تساؤل المقال الافتتاحى فى عنوانه حول ماذا تبقى من يناير؟! وما بين “محاكمة” أخطاء الفاعلين، ورصد الفرص الضائعة، والمكتسبات المتبددة، أتت معظم التحليلات عشية الذكرى الخامسة لثورة يناير، مشوبة بنوع من الإجماع أن “الطاقة الإيجابية” التى ولدتها يناير على مختلف الأصعدة قد استنفذد أو أوشكت على النفاد.

“الطرف الثانى” أو الوجه الآخر للصورة يتناوله قسم “قضايا مصرية” الذى يقدم ملفا خاصا عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، من خلال العديد من التحليلات المتعمقة حول إطارها  المنظم،  فواعلها الأساسية، والنتائج التى أفرزتها، فضلا عن السياق الاجتماعى والتحالفات السياسية التى دارت فى إطارها. فإذا كانت المآلات “مخيبة” إذا قيست بـ “مسطرة” يناير التى رفعت سقف الحلم، فالانتخابات البرلمانية ودراستها تعطى صورة مركبة حول تعقيدات العملية الانتقالية، وتضع الانتخابات الأخيرة فى سياق إرث برلمانى ممتد. كما ترصد مجموعة الظواهر المستجدة على الساحة السياسية، والتى أظهرتها الانتخابات، بإيجابياتها مثل: تصاعد التمثيل الحزبى، وتمثيل المرأة، وغياب العنف عن المشهد الانتخابى، وسلبياتها من قبيل: تصاعد دور المال السياسى، وإعادة نفوذ ودور العصبيات القبلية والخدمات. ثمة انتخابات أخرى يتناولها قسم “قضايا مصرية” هى انتخابات اتحاد طلبة مصر، والتى تقع على مسافة وسط بين الحلم والواقع، وتقدم رسائل إيجابية حول الدفاع عن الحريات والحقوق.

أما ملف العدد، فيتناول أزمة اللاجئين من جوانبها الإنسانية والسياسية والقانونية، بالتركيز على تفاعلاتها الأخيرة خاصة مع موجات اللاجئين السوريين الذين تحول حلمهم فى الحرية إلى كابوس ترويه صور وأعداد الغرقى والقتلى، ويسوقه “أعداء الربيع” باعتباره درسا وعبرة لطالبى الحرية، وتحذيرا من كابوس “اللادولة”، وسيناريو الرعب أو الفوضى. هذا السيناريو الذى لا ينفيه شميتر وسيكا فى دراستهما للتحول فى المنطقة، والذى تحدث تفاعلاته على أرضية هشة، تجعل احتمالات الفوضى أو اللانظام غير مستبعدة. فى ذات الوقت، تذكرنا دراسات الملف ومقالاته بأن الهجرة ليست وليدة الربيع، فقد سبقتها عقود وموجات من الهجرات وأزمات اللجوء المستعصية والمنسية، كما تلفت أن المأساة الإنسانية للاجئين السوريين أصبحت على مائدة السياسة الداخلية، والإقليمية، والعالمية، فقط حين طرقت أفواج الهاربين أبواب أوروبا، وقرعت صور أطفالهم الغرقى أجراس الضمير. كما ترصد إحدى مقالات الملف المبنية على بحث ميدانى شمل لاجئات سوريات وعراقيات، مدى ما يعانونه من ويلات العنف من الأنظمة من ناحية، ومن الجماعات المسلحة المنفلتة من ناحية أخرى. فيما تسلط مقالات أخرى الضوء على ويلات طريق الهروب و”اللجوء” عبر المتوسط، والذى أصبح أكثر البحار “فتكا” باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين. وأخيرا، فإن من يتمكنون من الهروب من ويلات أوطانهم، يصادفون أوضاعا قانونية شائكة فى بعض دول الجوار المضيفة، أو الدول المستقبلة فى أوروبا، والتى ترصد مقالات الملف تصاعد نزعات اليمين العنصرى فيها، فضلا عن بعض حالات الاعتداءات المباشرة على اللاجئين والمهاجرين.

البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق